من خلق الله؟
للكاتب : مصطفى حجاج.
هكذا هو السؤال في أذهان بعض الناس وعلى ألسنة الملحدين، إذا كان لكل شيء سبب والله هو مسبب الأسباب فمن خلق الله؟
فإن قلنا إن الله موجود ولكنه ليس بمخلوق، أي وجوده بلا سبب، فقد نقضنا قاعدة “أن لكل شيء سببا” بل وساعدنا على إثبات أن العالم موجود من غير سبب يوجده وهو ما يدعيه الملحد.
واعلم أنك لا تستطيع حل هذا الإشكال إلا بأن تتأمل أولا في مقدمتين ودليل.
المقدمة الأولى: (التناقض مستحيل)
التناقض هو إثبات الشيء ونفيه، فأقول “زيد كاتب وغير كاتب” فقد أثبتنا الكتابة لزيد في الوقت الذي نفينا الكتابة عنه وهو ما نسميه ب “اجتماع النقيضين” وقد أجمع العقلاء أن التناقض مستحيل لا يصح.
ومنه أيضا “ارتفاع النقيضين” وهو كقولنا “زيد إما كاتب أو ليس بكاتب” فلا يحتمل حكما ثالثا (ولهذا يُسمى بالثالث المرفوع أي المستحيل) لأن نفي الإثبات نفيٌ، ونفي النفي إثبات.
لأننا نقول هناك احتمالان إما أنه:
- كاتب ==> نفيه “غير كاتب”.
- غير كاتب ==> نفيه “كاتب”.
فيجتمع النقيضان إن قدّرنا احتمالا ثالثا.. تأمل هذا جيدا.
المقدمة الثانية: (الشيء إما واجب أو ممكن أو مستحيل)
اعلم أن الشيء موجود أو غير موجود جريا على قانون الثالث المرفوع (راجع الفقرة الثانية من المقدمة الأولى) والموجود إما أن يقبل العدم أو لا، والمعدوم إما أن يقبل الوجود أو لا، فالاحتمالات أربعة:
- موجود يقبل العدم
- موجود لا يقبل العدم.
- معدوم يقبل الوجود.
- معدوم لا يقبل الوجود.
فالأول هو الثالث ونسميه الممكن وهو ما يقبل الوجود والعدم، والثاني نسميه الواجب وهو ما لا يقبل العدم والرابع نسميه المستحيل وهو ما لا يقبل الوجود.
فيتلخص أن الأشياء على ثلاثة أقسام:
- الممكن: يقبل حالة الوجود أو حالة العدم.
- الواجب: موجود فقط فلا يمكن أن يُعدَم.
- المستحيل: معدوم لا يمكن وجوده أبدا.
الاستدلال: (إثبات واجب الوجود)
بعد أن علمت أن الأشياء لا تخرج عن ثلاثة أقسام الممكن والواجب والمستحيل، فاعلم أن الموجود لا يكون إلا موجودا واجبا (أي لا يقبل العدم) أو موجودا ممكنا (يقبل الوجود أو العدم) أما المستحيل فهو خارج محل الكلام لأنه معدوم دائما.
فنقول لا شك من وجود موجود ممكن وأقربهم إليك نفسك، فإنك إن تأملت قليلا تجد أنك من ألف سنة كنت معدوما والآن أنت موجود وهو ما نسميه “بالحدوث” أي الوجود بعد العدم.
وكل حادث فهو ممكن لأنه كان في لحظة ما معدوما ثم صار إلى حالة أخرى وهي الوجود، فلا ريب أنه يقبل الحالتين، أعني حالة الوجود والعدم فهو من الممكنات.
إذا فهمت هذا جيدا فاعلم أن الممكن لا يوجد من نفسه، أعني أن وجود الممكن أو عدمه هو سيان في حكم العقل، فاحتمال وجودك أو عدمك متساويان في العقل بنسبة 50% مقابل 50% ككفتي ميزان متساويتين تماما.
فإذا ترجح جانب الوجود على جانب العدم فهو لا محالة لمرجِّح، أي لسبب ما، لأن الاحتمالين متساويان، والسبب أو المرجح لا يمكن أن يكون نفس الممكن فالمرجح قطعا غيره، وغيره لا يكون إلا واجب الوجود (راجع أول فقرة في الاستدلال) وهو المطلوب إثباته.
فقول القائل: من خلق الله؟ سؤال خاطئ لا يصح، لأننا نقول أن الله واجب الوجود، وقد سبق أن علمت أن واجب الوجود لا يقبل العدم، أي لم يكن معدوما فيوجده غيره، ولم يكن حادثا فيخلقه خالق.
فالسؤال مبني على أصل غير صحيح وهو افتراض أن الخالق مخلوق، وهو في قوة قولك من خلق غير المخلوق؟
كمن يسألني عن اسم ولدي الثاني، فيُقال هذا سؤال خاطيء، لأنه مبنيٌ على أن لي ولدين وليس الأمر كذلك، فمتى كان لي ولدان وكان لهما اسمان صحّ السؤال، أما قبل ذلك فلا يصح.
ومن هنا تعلم خطأ استدلال الكثيرين بقولهم لكل شيء سبب، والصحيح أن يُقال لكل حادث مُحدث أو لكل ممكن مرجح أو سبب، لأن الواجب لا سبب لوجوده لأنه موجود دائما فلا يُوجده غيره.
إذا تمهّد هذا واستقر، سهُل عليك الجواب عن أسئلة أخرى هي من جنس هذا السؤال، كقولهم مثلا: “هل يستطيع الله خلق صخرة لا يستطيع حملها؟” وكقولهم “هل يقدر الله على إماتة نفسه؟” أو “هل يمكن أن يفني الله نفسه؟” إلى آخر هذه الأسئلة التي أعوِّل فيها على فطنتك وفهمك للمعاني والقضايا السابقة