معراج النبي، وشبهات المنكرين
مصطفى أحمد ثابت
خرج علينا بعض الإعلاميين، وادعى أن معراج النبي إلى السماوات، في ليلة الإسراء، لم يحدث، وأن كل ما روي في ذلك عبارة عن قصص وهمية، وأن علماء الدين يوهمون الناس كثيرا بأشياء لم تحدث.
والحقيقة نحتاج أن نبين بعض النقاط المهمة تعقيبا على هذا الكلام:
الأمور الغيبية التي جاء بها الخبر الصادق من الوحيّ فإنها تُقبل ويصدّق بها المؤمن، وتُحمل على ظاهرها بلا تأويل مادام لا يقتضي التصديق بها شيئا من المستحيلات العقلية.
فهذا المعترض على الإيمان بوقوع المعراج أو المدّعي كونها قصة وهمية لا يخلو من أن يكون واحد من اثنين:
1-إنسان لا يؤمن بنبوّة سيدنا محمد، ولا يصدق بأن الله أجرى على يديه المعجزات وخوارق العادات ودلائل النبوة؛ فلابد قبل الكلام معه في خصوص الإسراء أو المعراج أو غيرها أن تُقام له الأدلة القاطعة على صدق سيدنا محمد في دعواه النبوّة، وظهور المعجزات الخارقة على يديه من رب العبّاد، ليؤمن به الناس ويتبعوه.
2-أو يكون إنسانا مؤمنا مسلمًا مُقرًا بصدق النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذه الحالة فإن من مقتضيات التصديق والإيمان بأن محمدًا رسول الله أن يصدقه في جميع ما أخبر به مما ثبت لديه صحة نقله ولا يقضي العقل بامتناعه أو استحالته.
فمن ناحية العقل ليس في إسراء النبي ليلا من مكّة إلى المسجد الأقصى في فلسطين استحالة عقلية، بل هو أمر ممكن عقلا يُدرك الإنسان المعاصر إمكانه بسهولة وبلا شبهة وهو جائز في حق قدرة الباري جل شأنه، وكذلك عروجه إلى السماوات العُلا وعودته إلى الأرض في نفس الليلة، ولا يمتنع عقلا قطع المسافة البعيدة في الزمن اليسير، والذين أنكروا المعراج إلى السماوات -ممن تأثروا بقدماء الفلاسفة -لظنهم استحالة الخرق على الأجسام العنصرية والفلكية وهو غير صحيح كما هو موضّح في محله من كتب علم الكلام.
وبعض الناس يستبعد أن يكون الله سبحانه قد أسرى بنبيه وعرج به إلى السماء على ظهر دابّة ويدّعي أن ذلك لو حصل لكان الأولى أن يكون على آلة فضاء مجهزة بكل التقنيات الحديثة التي يمكنها اجتياز المسافات البعيدة في الزمن اليسير، وهو افتراض ساذج من بعض ملحدة العصر سببه عدم فهم حقيقة المعجزة، فالله سبحانه يفعل بالسبب وبغير السبب، ومقتضى كون الشيء معجزة ألا يكون جاريا على قوانين الأسباب الدنيوية المعتادة، وإنما خارقا لها بما لا يتعارض مع الأحكام العقلية والاتساق المنطقي.
وأما من ناحية النقل: أي ثبوت الإسراء والمعراج في أخبار الوحي:
فالثابت أن عروج النبي صلى الله عليه وسلم -أي صعوده -إلى السماء السابعة ليلة الإسراء ثابت بالخبر المشهور، بل هو متواتر بالمعنى، والإسراء والمعراج كلاهما معجزة كبرى وآية عظمى لسيدنا محمد، حتى أصبح كل من الإسراء والمعراج يستغنى بذكر واحد منهما عن الآخر لشهرة إطلاق أحدهما على ما يعم معنى الآخر، فيعبر أحيانا بالمعراج عن الإسراء وعن المعراج بالإسراء.
أما إسراء النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المسجد الأقصى في فلسطين فهو ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، في قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} [الإسراء: 1]
وأما معراج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى السماء السابعة فهو ثابت بالأحاديث المشهورة أي التي رواها الجمع الكثير من الصحابة وعنهم التابعين، وقيل إنها وصلت لمرتبة التواتر، فقد ذكر السيوطي في قطف الأزهار المتناثرة أن أحاديث الإسراء المشتملة على وصف المعراج إلى السماء رواها سبعة وعشرون صحابيا، وعدّ الحافظ الشامي الذين رووا حادثة الإسراء والمعراج عن النبي صلى الله عليه وسلم فجاؤوا تسعة وثلاثين صحابيًا. بل نصّ بعض الحفاظ على تواتر أخبار مخصوصة وقعت في حادثة المعراج ككون موسى عليه السلام في السماء السادسة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى موسى لما فرضت عليه الصلاة ليسأل الله التخفيف.
ويشير إلى المعراج أيضا كلام الله في سورة النجم: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [النجم: 13 -15] وسواء كان الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم عند سدرة المنتهى هو جبريل عليه السلام أو ربّ العزة على الاختلاف الذي ذكره المفسرون، إلا أن الحاصل أن سدرة المنتهى في السماء السابعة لأنها كما قال الله عندها جنة المأوى، وسميت بذلك لأنك منزل الشهداء وهي على يمين العرش.
ثم عروج النبي من السماء السابعة إلى ما فوق ذلك وهي الجنة أو العرش قد روي بأخبار الآحاد.
والوارد في كتب السيرة النبوية وكتب الحديث ليس أن المعراج قصة وهمية كما ذكر بعض الصحفيين، وإنما الذي اختلفوا فيه هل كان المعراج في المنام أم كان في اليقظة، وهل كان بالروح أم بالروح والجسد؟
والصحيح الذي جزم به جمهور العلماء من الصحابة وأهل القرن الثاني أن المعراج كان بالروح والجسد، وأنه كان يقظة لا مناما، لأنه لو كان بالروح أو كان في المنام لما كان ينكر كل هذا الإنكار الذي أظهره كفار قريش، ولما كان يستغرب كل هذا الاستغراب؟ وهم أنكروا وقوعه بشدة، مع أنهم لا يستبعدون أن يرى النائم في منامه السماوات وأقطار الأرض من غربها لشرقها، ويدل على وقوعه يقظة أيضا التعبير في أول سورة الإسراء بلفظة «سبحان الذي أسرى» وقوله: «لنريه من آياتنا» الدال على طلاقة القدرة الإلهية بما يبعث على التعجب والانبهار.