لماذا هناك شيء بدلا من لا شيء؟

.

شكرا لكم على هذا السؤال

ربما تمت الإشارة في سرعة لإجابة هذا السؤال في الحلقة لكن سنفصّل الإجابة هنا أكثر.

المقصود بأن العدم هو الأصل، وأن الوجود أمر طارئ، هو أن عدم “هذا العالم”- سابق على وجوده. وأمّا “الوجود” -أي وجود هذا الكون أو وجود هذا العالم الذي نحيا فيه -طارئ، ولاحق، وتالٍ للعدم.

وبالتالي العدم لا يحتاج إلى علة أو سبب في تحققه، بخلاف الوجود الحادث أو الوجود الطارئ فإنه يفتقر بالضرورة إلى سبب يرجح جانب وجوده على عدمه.

وكون الوجود تاليا للعدم هو الذي يسميه العلماء: “الحدوث” أو “الخلق”.

والسبب الذي دعانا ودعا كثير من الفلاسفة إلى القول بأن وجود الكون هو أمر طارئ أو لاحق وتالٍ على عدمه: هو أننا نظرنا في صفات هذا الوجود أي وجود العالم، فوجدناه موصوفا ومحفوفا بمجموعة من الصفات عرفنا منها أن “وجوده” ليس ضروريا، ومعنى: ليس ضروريا أي وجوده وعدمه سواء بالنظر إلى حقيقته، أو لا يجب أن يكون موجودا دائما، وهو الذي يُسمى بالإمكان، ومن هذه الصفات الدالة على إمكان الموجود: التغيّر وتبدل أحواله من حال لحال؛ كالنمو والكبر والشيخوخة والهرم والموت بالنسبة للإنسان، وكذلك الحركة والسكون بالنسبة للجمادات، واتصاف ذاته بالصفات المتضادة والمتناقضة كالسخونة والبرودة والرطوبة واليبوسة وغيرها.

 وإذا فهم العقل البشري أن وجود شيء ما ليس ضروريا فإنه يمكنه أن يتصور معنى العدم، أما القول بأن العدم مجرد أمر نظري ولا دليل على إمكانه فغير صحيح، لأننا ندرك مفهوم العدم في كل لحظة، والذي نراه ونشاهده هو عدم الصفات، أي تبدل أحوالنا وأحوال العالم من حال إلى حال ومن صفة إلى نقيضها؛ فالبذرة مع الماء والتربة تتحول إلى شجرة، والشجرة تنمو لها أغصان وتورق ثم تثمر، ثم تتساقط، وهكذا، ويمكننا أن نستدل بعدم صفات الجسم وتغيرها على كونها لها بداية وكون العدم سابقا عليها بأدلة مشهورة في علم التوحيد.

ولو تأملت في جوهر فكرة السببية لعلمت أنها مستمدة من تجدد أمر لم يكن موجودا من قبل، وعدم صفة كانت موجودة، فأنت حينما ترى جسما ساكنا قد تحرّك فإنك تسأل عن سبب الحركة، وسرّ هذا السؤال الذي ثار في النفس هو ما قلناه من “تجدد” أو “حدوث” الحركة التي لم تكن موجودة، و”عدم” السكون الذي كان موجودا، فلذلك يقول إسحاق نيوتن في أول قوانينه: إن الجسم الساكن يظل ساكنا، والمتحرك بسرعة منتظمة في خط مستقيما يظل متحركا ما لم تؤثر عليهما قوة تغير من هذه الحالة. فعلمنا أن جوهر فكرة السؤال عن السبب هو الحدوث أو التجدد أو حصول عدم لصفة ما من صفات الجسم أو الذات، ثم وجود أمر آخر لم يكن.

وأما الوجود الذي لا يحتاج لتفسير فهو الوجود الواجب، فالوجود أو الموجود نوعان: ممكن وواجب، ومن أخص صفات الموجود الممكن تغير صفاته وتبدلها من حال لحال كما قلنا، وكذلك محدودية وجوده بالمكان والزمان، وأما الموجود الواجب الذي لا يحتاج لتفسير فيستحيل عليه التغير والتبدل  سواء في الذات أو الصفات.

ولذلك فقول لايبتنز وغيره إن الأصل هو العدم، وإن وجود الكون يحتاج لتفسير صحيح وواضح.

قم بتقييم المحتوي