كتبته: كوثر السعدني
الخرافة الأولى: لا نصوم لكي نشعر بالفقراء!
كانوا يخبروننا أننا نصوم لأجل الشعور بالفقراء، ثم لما قلنا لهم أن الفقراء أيضا يصومون عادوا وقالوا لنا هذه أحد حِكم الصيام لكنها ليست “علة: سبب” الصيام، فلماذا إذن نصوم؟ وما معنى أنها أحد الحِكم لكنها ليست “العلة: السبب” للصيام؟
لماذا يمنعنا الله من الطعام والشراب في وقت معين من اليوم ويبيحه لنا في وقت آخر، لا يبدو الأمر معقولا أو منطقيا!
يطلق العلماء مصطلح “الأحكام معقولة المعنى” على الأحكام التي لها سبب واضح يوجد الحكم الشرعي بوجوده ويتغير الحكم الشرعي بتغيره مثل معظم التعاملات المالية، فمثلا يحرم ركوب سيارة أجرة بدون الاتفاق على الأجر منعا (للغرر: الضرر الناتج عن اختلاف الأجر المتوقع للطرفين) للراكب والسائق، فإذا ما اتفقا سواء بالكلام أو من خلال التطبيقات الحديثة فقد انتفى الغرر ولا حرمانية، فليست العبرة بالاتفاق النصي، العبرة بمنع الغرر.
أما الأحكام التي ليست لها أسباب توجد بوجودها وتتغير بتغيرها فيطلق عليها مصطلح “الأحكام التعبدية” مثل الصلاة، فلماذا الظهر أربع ركعات والفجر ركعتان؟ هل لأننا نكون مرهقين في وقت الفجر؟ بحيث إذا ما تبدل نوم أحدهم يبدل الركعات فيجعل الظهر ركعتان والفجر أربعة؟
لا، لا يتغير عدد الركعات مع تغير مواعيد نومنا، وعلى الرغم من أن أحد الحِكم من تخفيف عدد ركعات الفجر قد يكون فعلا هو أنها تتزامن مع موعد نومنا، لكن ذلك ليس العلة، فلا يتغير الحُكم بتغيرها.
والصيام مثل الصلاة من الأحكام التعبدية، فلا سبب يجب صوم رمضان بوجوده ويحرم الصيام بغيابه، لكن مع ذلك فالصيام شأنه شأن كل الأحكام التعبدية قد تكون لها حِكم نفهمها مثل أن الصيام يُعد تمرينا وتهذيبا للجسد والروح، فتتعود أجسادنا ترك الطعام والشراب لفترات متصلة من الزمن مما يسهل عليها بعد ذلك ترك العادات المضرة المختلفة من طعام وشراب وتدخين.
ومن حِكم الصيام تهذيب الروح؛ لأن ترك المباحات التي أحلها الله لنا يعلمنا من باب أولى ترك المحرمات مثل الكذب والغيبة والنميمة والسرقة والغضب.. إلخ، فقد أخبرنا الله أنه شرع لنا الصيام لعلنا نتقي، وأول طريق التقوى ترك المحرمات، ثم الإكثار من الطاعات، ثم الانتباه لنوايانا في المباحات أو حتى التقليل منها حتى لا نتعود على الإسراف.
فصحيح أننا لسنا نصوم كي نشعر بالفقراء بمعنى أن الفقراء لا يجب عليهم الصوم، أوبمعنى أن “علة: سبب” الصيام هي الشعور بالفقراء، فالفقراء أيضا يصومون، لكن ألا يجعلنا الامتناع عن الطعام والفقراء أكثر شعورا ببعضنا؟ غنينا وفقيرنا؟
وهذا هو معنى أن من حِكم الصيام الشعور بالفقراء.
نحن نصوم لأن الله أمرنا بذلك، لكننا نستطيع فهم بعض الحكم من الصيام؛ ومنها الشعور بالفقراء، ومنها تمرين الجسد والنفس للوصول لمراحل أفضل من أنفسنا لعلنا نتقي.
الخرافة الثانية: وأتموا الصيام إلى الليل، لماذا نفطر عند أذان المغرب؟!
نفهم القرآن في سياق نزوله الزماني والمناسبة، وتفسيراته اللغوية من خلال المعاجم اللغوية، والسنة النبوية من قول أو فعل أو تقرير حول موضوع الآيات، فإذا أردنا فهم معنى (وأتموا الصيام إلى الليل) ببساطة نعود إلى التفاسير التي تشمل كل ما سبق فنجد مثلا في التفسير الكبير للشيخ الرازي يقول:
اختلفوا في أن الليل ما هو ؟ فمن الناس من قال: آخر النهار على أوله، فاعتبروا في حصول الليل زوال آثار الشمس، كما حصل اعتبار زوال الليل عند ظهور آثار الشمس ثم هؤلاء منهم من اكتفى بزوال الحمرة، ومنهم من اعتبر ظهور الظلام التام وظهور الكواكب، إلا أن الرسول الله ﷺ قال: “إذا أقبل الليل من ههنا، وأدبر النهار من ههنا، وقد غربت الشمس فقد أفطر الصائم”، فهذا الحديث يدل على أن الصوم ينتهي عند غروب الشمس.
فهكذا نفهم القرآن، ونفهم الأحكام الشرعية في أي آية تشكل علينا، وشهر رمضان أنسب شهر لنستصحب معنا أحد التفاسير الميسرة مثل تفسير النسفي أو صفوة التفاسير أو غيرهما من التفاسير الصغيرة أثناء رحلتنا مع القرآن.
الخرافة الثالثة: عدم الصلاة وعدم ارتداء الحجاب يبطل الصيام!
منذ مدة انتشر مقطع للشيخ علي جمعة في أحد البرامج التلفزيونية وهو يقول أن الحشيش طاهر، فإذا صليت وفي جيبك حشيش فصلاتك صحيحة!
أثار هذا المقطع سخرية الكثيرين على السوشال ميديا؛ لأن ثمة خلط بين أمرين مختلفين، وهو الشيء نفسه الذي يحدث عندما يظن بعض الناس أن عدم الصلاة أو ترك الحجاب يبطل الصيام.
توجد في الشريعة الإسلامية أحكام تكليفية وأحكام وضعية، فالأحكام التكليفية هي التي نعرفها من (حرام، حلال، مكروه، سنة، مباح) أما الأحكام الوضعية فففيها عدة أحكام منها (الصحة والبطلان).
فإذا أكلت عامدا في نهار رمضان فصيامك باطل، أما إذا لم تصلِ الظهر فصيامك صحيح.. كيف أليست الصلاة هي ركن الدين الأول؟
نعم، لكن شروط صحة الصيام ليس منها الصلاة، ولكنك بالقطع يحرم عليك ترك الصلاة وتأثم.
الشيء نفسه بالنسبة للحشيش، فتناوله محرم، لكنه في حد ذاته طاهر وليس نجسا مثل الخمر، ومن شروط صحة الصلاة ألا تحمل أي نجس أثنائها، فإذا صليت وأنت تحمل خمرا فصلاتك باطلة لحملك النجاسة، وإذا صليت وأنت تحمل حشيشا فصلاتك صحيحة لأن الحشيش طاهر، وفي الحالتين إذا تناولت الحشيش أو الخمر ففعلك هذا حرام وتأثم عليه.
فقد يكون الفعل صحيحا وحلالا كالصلاة مستوفية الشروط والأركان والصيام مستوفيا الشروط والأركان، أو باطلا وحلالا كالصلاة وأنت تحمل خمرا، فهي حلال في حد ذاتها وباطلة لحملك النجاسة، أو صحيحا وحراما كأن تصلي صلاة مستوفية الشروط والأركان في أوقات حرمة الصلاة، أو باطلا وحلالا كأن ترتكب إحدى نواقض الوضوء أثناء صلاة الفرض، فتبطل الصلاة رغم كونها في حد ذاتها حلالا، ولا تعارض.
فعدم ارتداء الحجاب أو ترك الصلاة لا يبطل الصيام لأن ارتداء الحجاب والصلاة ليسا من شروط وأركان الصيام، لكنها أفعال محرمة يأثم فاعلها رغم صحة صيامه، ومثل ذلك الكذب والغيبة وغيرهم من المحرمات، ففعلهم وإن كان لا يبطل الصيام لكنه حرام ويكون أشد حرمة في شهر رمضان، شهر التقوى والمغفرة والعتق من النار.
اقرأ أيضا.. لماذا نصوم؟