هل السفر عبر الزمن يبطل قانون السببية؟

نسمع بعض الناس يقول إن العلم يمكن أن يتوصل إلى الانتقال عبر الزمن في الماضي أو المستقبل وذلك يبطل فكرة السببية، وعليه يمكن للعالم أن يوجد دون أن يحتاج إلى الخالق؟

الإجابة

للحكماء والمتكلمين قديما وحديثا أقوال شتى في بيان حقيقة الزمن، واختلفوا فيه بناء على اختلافهم في كونه أمرا وجوديا أو عدميا أصليا أم تابعا لغيره من الموجودات.

قال السيد الشريف الجرجاني في التعريفات 1/114: «الزمان عند المتكلمين: عبارة عن متجدد معلوم يقدر به متجدد آخر موهوم، كما يقال: آتيك عند طلوع الشمس؛ فإن طلوع الشمس معلوم ومجيئه موهوم، فإذا قرن ذلك الموهوم بذلك المعلوم زال الإيهام».

فمفهوم الزمن عند المتكلمين المسلمين هو أمر اعتباري ينتزعه العقل من ملاحظة تغير الحوادث في العالم ويعبر به عن مقدار هذا التغير الواقع في الأمور المتجددة، فمثلا ينتزع العقل البشري من ملاحظة دوران الأرض حول نفسها أمرا اعتباريا يسميه “اليوم” ، وينتزع من دوران الأرض حول الشمس مفهوما اعتباريا يسميه “السنة”، وهكذا.

 وهناك من ذهب إلى نفي وجود الزمان مطلقا قائلا بأن الزمان ليس إلا الماضي والحاضر والمستقبل، والماضي عدم، المستقبل لم يوجد بعد، والحال اما جزء من الماضي، أو جزء من المستقبل.

 والفرق بين هذا القول ومذهب المتكلمين، هو : أن الثاني وإن قال بوهمية الزمان إلا أنه يعتقد أن له منشأ انتزاع وهو وجود الواجب تعالى قبل خلق العالم، والعالم نفسه، بعد خلقه.

فالعقل بالنظر إلى وجود الواجب وثباته وعدم فنائه ، ينتزع منه الزمان، كما أنه بالنظر إلى وجود العالم وبقائه ينتزع منه ذلك أيضا.

 وكان أفلاطون وكثير من قدماء الفلاسفة يقولون بأن الزمان «جوهر مستقل منفصل الذات عن المادة ، فإذا اعتبرت نسبته إلى الماديات المتغيرة المقترنة سمى بالزمان».

فالزمان عنده هو البعد الممتد المقترن بالمتغيرات.

 وهذا القول يصور الزمان بأنه بنفسه بعد سيال مستمر موصوف بالتقدم والتأخر، وأنه لا أول له ولا آخر ، وان الأشياء إنما تتصف بهذا الوصف بمقايستها ومقارنتها للزمان.

 فالزمان في هذا التصور يشبه النهر الجاري الذي لا بداية له ولا نهاية، وهو مستقل عن المادة، والمادة واقعة فيه وقوع الشيء في ظرفه.

 وبعبارة أخرى: إن الزمان عند الفلاسفة القدماء موجود مستقل سواء أكان هناك موجود آخر أم لا، وسواء أدارت الشمس والقمر  أم لا، وسواء أكان هناك إنسان أم لا ، بحيث إنه يوجد حتى إذا لم يخلق الله سبحانه سواه من الأشياء وبحيث لما خلق الله المادة صارة جليسة للزمان، فالمادة في سكونها وثباتها، الزمان في سيلانه وتصرمه كالجالس في نهر جارٍ.

وهذه النظرة الوجودية للزمان قد ثبت عند المتكلمين بطلانها وقد فندوا هذا الرأي وأبطلوا هذا الاتجاه، وأثبتوا في المقابل أن الزمان وليد حركة المادة وتجددها ، وإن كان للزمان تقدم وتأخر، فإنما هو في ظل تقدم المادة وتأخرها، وتغيرها المستمر.

فإذا كان الزمن لا يمكن أن يتقدم جزء منه على الآخر لأن القبلية والبعدية ذاتية لأجزائه، فهذا الحكم جار في نفس المادة، فالحوادث بما أن الزمان منبعث من صميمها، فالتقدم والتأخر ذاتيان لها لا يمكن أن تزول عن أماكنها ومواضعها، حتى أن عدم إمكان التقدم التأخر للزمان إنما هو لكونه ناشئا من سيلان المادة، وتقدمها وتأخرها، وفي ضوء ذلك فالكائنات كل واحد منها واقع في محله نظير وقوع كل عدد في موضعه.

فالحال في الحوادث والكائنات المترتبة المتدرجة في وجودها كالحال في الأعداد المتسلسلة ، فكما أنه لا يمكن أن يتقدم العدد تسعة على موضعه الخاص به، ولا أن يتأخر عنه بحيث يصبح بعد العشرة أو قبل الثمانية ، هكذا الكائنات المادية، بل التغير والتبدل فيها يساوي فناءها وعدمها.

 وعلى ذلك فلكل حادث موضع معين ومرتبة خاصة به يساوق الخروج منه الخروج عن وجوده وبالتالي يساوق عدمه، وبالنتيجة فالزمان في التقدم والتأخر تابع للكائنات المادية لا العكس.

 الزمان مقدار حركة المادة:

 وكثير من المتكلمين يعبرون بتعبير آخر وهو أن الزمان ليس شيئا سوى مقدار الحركة فللحركة حيثيتان:

حيثية الوجود الذي تشاركه فيه سائر الأشياء.

 وحيثيه السيلان والجريان ، وليس الزمان إلا حيثية سيلان الوجود وجريانه وتدرجه .

والحركة بوجودها ترسم شيئين: وجودا وتحققا في عالم الوجود، وزمانا ومقدارا لسيلان ذلك الوجود وجريانه.

 وعلى ذلك فالزمان في الحقيقة تعبير آخر عن سيلان الوجود وجريانه.

إذا كانت الحركة مبدأ للزمان، ومولدة له، وكان الزمان صورة أخرى لجريان الوجود والحركة،  كانت كل حركة منشأ للزمان وكل لكل حركة زمان خاص ، وعلى ذلك فليس في العالم زمان واحد بل أزمنة متعددة، حسب تعدد الحركة، لأن كل حركة تولد أو ترسم زمانا خاصا.

ولذلك يُقال اليوم إن مقدار السنة واليوم والليلة يختلف من كوكب لكوكب آخر بحسب اختلاف دورات الكواكب في مداراتها حول الشمس وباختلاف الجاذبية.

يقول صدر الدين الشيرازي في الأسفار 3/141:

“إن اتصال الزمان ليس بزائد على الاتصال التدريجي الذي للمتجدد بنفسه ( إلى أن يقول ومن تأمل قليلا في ماهية الزمان يعلم انه ليس كالعوارض الخارجية للأشياء كالسواد والحرارة بل من العوارض التحليلية ( أي تظهر لدى التحليل العقلي الذهني) لما هو معروضة بالذات ( أي المادة المتجددة) ومثل هذا العارض لا وجود له في الأعيان إلا بنفس وجود معروضه ، والعجب من القوم كيف قرروا للزمان هوية متجددة اللهم إلا إذا عنوا بأن ماهية الحركة ماهية التجدد والانقضاء لشيء، والزمان كميتها. اهـ

الزمان في العلوم التجريبية

أغلب مباحث علوم الطبيعيات تدور حول المادة والمكان والزمان، ومفهوم الزمن في العلم التجريبي تحديدا في الفيزياء قد مرّ بمرحلتين مرحلة الزمن المطلق في فيزياء نيوتن ، وهي مرحلة الفيزياء الكلاسيكية التي كان يرى فيها نيوتن أن الكون لا نهائي الامتداد، ثم مرحلة الزمان النسبي مع ألبرت آينشتاين ، والفارق المحوري بينهما أن مفهوم الزمان المطلق في الفيزياء القديمة عند نيوتن يردّ المادة إلى الزمان والمكان أي يدرك المادة ويتصورها من خلال الزمان والمكان، أما التصور النسبي عند آينشتاين فيفعل العكس أي يدرك الزمان والمكان من خلال تصور المادة.

تقول الدكتورة يمنى طريف الخولي في كتاب الزمان في الفلسفة والعلم ص69 : «التصور المطلق يجعل الزمان سابقا على الخبرة، أما التصور النسبي فيجعله مشتقا منها، وفي النسبية الخاصة أثبت آينشتاين استحالة تصور الزمان المطلق، وفي النسبية العامة تعتمد بنية الاتصال الزماني – المكاني على توزيع المادة في الكون». اهـ

ففرضية السفر عبر الزمن Time Travel حسب النظرية النسبية العامة لأينشتاين مبنية على اعتبار الزمان له وجود نسبي، فالزمن يسري في الموجودات بسرعات ونسب متفاوتة وذلك حسب اختلاف حقول الجاذبية، وفي الحقل الأعمق يتباطأ الزمان.

وليس المقصود من نسبية الزمن أنه يمكن اعتباره بعدا ملموسا يمكن الانتقال فيه بحرية كالمكان، بل المقصود أنه يتمدد ويتباطأ مع زيادة السرعة واختلاف الجاذبية فمثلا لو افترضنا أن رائدا للفضاء غادر الأرض وعمره 25 سنة آنذاك، وترك أخاه الصغير البالغ من العمر 22 سنة وغاب في رحلته الفضائية مدة عشرة سنوات بحسب توقيته على الصاروخ المسافر بسرعة قريبة جداً من سرعة الضوء بحسب ما يرصد أخوه، فإنه يجد عند عودته من رحلته في سن 35 سنة أن أخاه الذي كان أصغر منه عمراً قد أصبح في سن الأربعين أو الخمسين على حسب سرعة الصاروخ التي تحرك بها، وهذا ليس محالا عقلا بل هو أمر جائز وليس له أدنى تعلق بفكرة السببية ولا ينقضها.

فالزمن هو مفهوم اعتباري يلاحظ من اشتقاق التغير والحدوث في أجسام العالم، أي هو دالة حسابية بين متغيرين، وعليه فالانتقال عبر الزمن بمعنى السفر لزمن سابق على وجود زمن وجود المسافر أو ولادته مستحيل عقلا، ومعظم العلماء لا يعتقدون بجوازه، ولا يوجد تجربة واحدة تدلل عليه.

يقول الدكتور جواد بشارة في كتاب ( الكون المرئي بين الفيزياء والميتافيزيقا، ص 35): «أضافت النسبية الزمن كبعد رابع بالإضافة إلى الأبعاد المكانية الثلاثة، تقول إن الزمان والمكان مرتبطان معا ولا يمكن أن يوجد أحدهما بمعزل عن الآخر، إننا نستطيع أن نتحرك في الأبعاد المكانية بكل حرية ويمكننا ركوب آلات مثل الطائرة أو الصاروخ التي تنقلنا في البعد المكاني الثالث “الارتفاع” ومن هذه الفكرة البسيطة عن الأبعاد يمكن أن ننتقل عبر الزمن بهذه الصورة، لكن النظر إلى ما سبق يعد مفهوما كلاسيكيا فحسب، حيث يفترض أن الزمن مقياس مطلق لسرعة حركة هذه الأجسام، وقد توصلت باحثة ألمانية معاصرة إلى إثبات عدم إمكانية السفر عبر الزمان إلى الماضي، وذلك من خلال دراستها لنظرية أينشتاين بواسطة أي وسيلة تقنية سواء كانت خيالية أو افتراضية تسمى آلة الزمان» اهـ.

وعليه فلا يصح استدلال بعضهم بمسألة الانتقال عبر الزمن لنفي السببية

قم بتقييم المحتوي