كتبه: أحمد حسين الأزهري
الدنيا دار ابتلاء وامتحان، والله سبحانه يختبر الضعيف في صبره، ويمتحن القوي في شكره. ويحكم بين العباد يوم القيامة، كل فرد على حسب ما أعطاه. فمثلًا، الفقير لا يحاسب كحساب الغني، والغني لا يحاسب كحساب الفقير.
وكل شيء في الكون هو مظهر لاسم من أسماء الله تعالى. فاسم الله الغفار طلب أن يكون في الدنيا مذنبون فيغفر الله لهم، واسم الله الجبار طلب أن يكون في الدنيا منكسرون فيجبر كسرهم، والمنتقم طلب أن يكون في الدنيا ظلمة فيقتص للمظلومين منهم، والرزاق طلب عبادًا محتاجين فيرزقهم، وهكذا.
وكل اسم من أسماء الله تعالى هو وجهة للتعرف عليه سبحانه. فالمستضعف إما أن يقول: لا خالق للكون! وبالتالي فإن ضعفه أو مظلوميته لا حكمة من وراءها ولا فائدة منها، بل يعيش في الدنيا في بلاء وتعب ونصب، وبعدها يصير عدمًا، كأنه نسيًا منسيًا، لم يحتسب له أنينه أو صراخه، ولم يسمع أحد شكواه، ولا ثمن لمرارة الصبر التي تجرعها. فمصيره حينئذ اليأس لا محالة. وإما أن يتصبَّر ويعلم أن لله تعالى الأسماء الحسنى، وأن منها اللطيف، وأن لطف الله تعالى لا ينفك عن قدره، فيتكشف له في الدنيا بعض المعاني والحكم من وراء هذا البلاء. أقل الأشياء أنك تجد في بعض الأطفال الذين مروا بظروف صعبة في صغرهم أن عندهم من التحمل والجلَد والصبر والمثابرة ما لا تجده عند المرفهين. ويعلم أيضًا أن من أسمائه تعالى الشكور، فإن الله تعالى يشكر عبده إذا صبر وتحمل، ويكافئه في الآخرة الجزاء الأوفى، بل سبحانه رفع عن الصابرين الحساب يوم القيامة، فيدخلون الجنة مباشرة. قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10].
فإذا أدرك الإنسان هذا المعاني وتذوقها، وأيقن أن الدنيا ليست دار نعيم مقيم، بل هي قنطرة نعبر في خلالها من العدم في الأزل إلى الوجود في الأبد، علِم أن هذا السؤال في جذره نابع عن عطش روحي لا عن شبهة فكرية، وكأن صاحبه يسأل: كيف أتعلق بالله؟ وهذا هو السؤال الصحيح الذي إذا طرحه الإنسان على نفسه وصل إلى الطمأنينة والسكون، وصار للألم في نظره معنى وقيمة. والله الهادي لا رب سواه.