خمسة أسباب تجعل الحديث النبوي مصدرا أساسيا للتشريع
كوثر السعدني
تفصلنا أيام معدودات عن شهر رمضان الكريم الذي عادة ما نكثر فيه من قراءة القرآن، ومن ثم يصطدم بعضنا ببعض الآيات التي تبدو للوهلة الأولى مختلفة عما يعرفه من أحكام مستقرة في ذهنه اعتاد عليها، مثل {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114]، فمثلا هل تعني هذه الآية أن الصلاة المفروضة أربع صلوات فقط؟
نحن نعلم ما ينبغي علينا من صلاة وصيام وزكاة.. إلخ من خلال علم الفقه، وهناك عدة مذاهب فقهية أشهرها المذهب الحنفي والمذهب المالكي والمذهب الحنبلي والمذهب الشافعي، وكل مذهب من هذه المذاهب يعتمد في أحكامه الفقهية على مصادر أساسية ومصادر فرعية لاستنباط الأحكام الشرعية.
المصادر الأساسية مشتركة بينهم وهي؛ القرآن، السنة النبوية، الإجماع، القياس، وتختلف المصادر الفرعية فيما بينهم.
فإذن نحن لا نعتمد على القرآن فقط في معرفة مراد الله منا وبالتالي فهذه الآية وإن بدت للوهلة الأولى متناقضة عما نعرفه لكن هذا طبيعي، لأن هناك مصادر أخرى للتشريع توصلنا لمعرفة المطلوب منا.
لكن ماذا عن دعاوى بعض الناس أننا يمكننا الاعتماد على القرآن وحده في معرفة الشرع؟
إليك خمسة أسباب تجعل من المستحيل الاعتماد على القرآن وحده لمعرفة أحكام الفقه الإسلامي:
السبب الأول: نعلم جميعا أن الظهر أربع ركعات، بينما الفجر ركعتان، ولا ينتابنا شك في عدد الركعات أو كيفيات الصلاة، لكن المفاجأة أننا لا نعرف كيفيات الصلاة وعدد الركعات إلا من خلال السنة، أما الأمر القرآني فمجمل: {وأقيموا الصلاة} فقط بلا تفاصيل، لأن التفاصيل موكلة إلى الحديث الشريف.
السبب الثاني: أننا نحتاج السنة النبوية أيضا في فهم وتفسير القرآن، فبعض الألفاظ في القرآن لا يُعرف معناها إلا من خلال السنة، كلفظ “يظاهرون” في آية (2) وما يليها من سورة (المجادلة)، {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ۖ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ}، فلفظ “يظاهر يأتي في القرآن بمعنى يساعد ولو أنها فُسرت في هذه الآية بمعنى المساعدة لن يكون للكلام معنى، لكننا عرفنا أن الظهار المقصود في الآية هو أن يقول الرجل لزوجته أنت علي كظهر أمي، يعني تحرم عليه مجامعتها، وعرفنا ذلك من السنة النبوية.
فالنصوص حمالة أوجه؛ أي أن اللفظ الواحد قد يكون له عدة معاني، لذلك نفهم القرآن من خلال الأحاديث النبوية التي تقلص هذه الاحتمالات بالشرح والتفسير.
السبب الثالث: أن الله قال لنا في القرآن { وَأَطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ.. } [الأنفال:46]، وقال لنا أيضا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء:59].
وأيضا {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون} [الأنفال: 20].
و {ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون} [النور: 52].
وكل هذه الآيات قال في معناها المفسرون أن طاعة الرسول ليست فقط فيما يبلغ عن الله من قرآن، بل كذلك السنة.
وطاعة الرسول مساوية لطاعة الله لأن الرسول هو المبلغ عن الله فلا نعرف أمر الله إلا منه.
السبب الرابع: قوله تعالى: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [النساء: 65].
وفيها قسم من الله على نفي الإيمان عن العباد حتى يُحكِّموا رسوله صلى الله عليه وسلم في النزاعات، ولا يشعروا بالضيق من حكمه، وليس المراد مجرد الضيق القلبي الذي قد يقع منا عند وجود فعل شاق، بل المراد هو الضيق من حكم الله ورسوله، وليس المراد فقط حكم الرسول في حياته، بل بعد وفاته من خلال الحديث النبوي.
السبب الخامس: المسلمون كلهم يعلمون أن شرب الخمر حرام، لكن من أين نعرف ذلك؟ هل من القرآن فقط؟ أم للسنة دور في هذا الحكم؟
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة:219].
{یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَقۡرَبُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمۡ سُكَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعۡلَمُوا۟ مَا تَقُولُونَ ..} [النساء: 43].
{وَمِن ثَمَرَ ٰتِ ٱلنَّخِیلِ وَٱلۡأَعۡنَـٰبِ تَتَّخِذُونَ مِنۡهُ سَكَرࣰا وَرِزۡقًا حَسَنًاۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَةࣰ لِّقَوۡمࣲ یَعۡقِلُونَ} [النحل: 67].
{یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَیۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَـٰمُ رِجۡسࣱ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّیۡطَـٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ* إِنَّمَا یُرِیدُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ أَن یُوقِعَ بَیۡنَكُمُ ٱلۡعَدَ ٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَاۤءَ فِی ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَیۡسِرِ وَیَصُدَّكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة: 90:91].
من دون أن يكون لدينا علم بترتيب نزول الآيات ومناسبتها والسنة النبوية حول الخمر، لن نوقن تحريمها بتفسير القرآن فقط، لأن يبدو في بعض الآيات أن لها فوائد، وفي آية أخرى فالنهي عن الصلاة أثناء السكر ولم يوجد فيها نهي عن الخمر مطلقا، وهكذا.. لكن الصحابة علموا التحريم من النبي صلى الله عليه وسلم، وتناقلت الأجيال التحريم والمنع التام إلى يومنا هذا.
وطرق إثبات أسباب النزول هي نفسها طرق إثبات الحديث، ومن أوصلوا لنا أسباب النزول هم من أوصلوا لنا الحديث الشريف، فلا يمكن منهجيا أن تُقبل أسباب النزول ويُرفض الحديث للشك في طرق إثبات أحدهما دون الآخر، إذ أن هذا تناقض، وهو ما يقع فيه منكرو حجية السنة النبوية.
وهناك أسباب أخرى حول استحالة كون القرآن هو مصدر التشريع الوحيد وهو ما يُعرف كذلك بأدلة حجية السنة النبوية ولكننا اكتفينا بخمسة أسباب لتقريبها إليك، وإذا أردت أن تعرف المزيد حول أسباب كون السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع راسلنا على رسائل سؤال.