الإسلام والإرهاب

كوثر السعدني

تحدثنا في المقال السابق عن أسطورة ربط الدين بالعنف وكيف أن حروب القرن العشرين وهي الأكثر دموية في تاريخ الإنسان لم تكن أسبابها دينية، فماذا عن تنظيم القاعدة والهجمات الانتحارية وداعش؟

1 – تنظيم القاعدة:
محطتنا الأولى هي إيران في عصر الشاة الأخير، أُدخلت إيران عنوة في مرحلة التحديث شأنها شأن كل بلاد المنطقة، فأطاحت قوى التحالف برضا بهلوي، ثم أتت بابنه محمد ليحكم البلاد، فأصلح محمد وأفسد، ومن ضمن ما أفسد إجباره المواطنين على زي أوروبي النمط وفرض خلع الحجاب على النساء بالقوة، لا السماح لمن ترغب في خلعه بخلعه، بل فرض خلعه حتى على من ترغب في ارتدائه!
قيد الحريات الدينية ومد جهاز السافاك بصلاحيات واسعة جعلته يعذب مواطنيه ومعارضيه وينتهك أوليات حقوقهم الآدمية، وتعرض لمحاولة انقلابية أثناء حكمه ساعدته الولايات المتحدة في وأدها وأعانته في العودة على رأس البلاد لما كان يقدمه لها من تسهيلات نفطية والسماح لها ببسط نفوذها على المنطقة، باختصار خلق رضا بهلوي المناخ العدائي الأمثل للثورة عليه بمساعدة أمريكا  ودعمها فنشأت حالة مستعرة متصاعدة من العداء له ولأمريكا، ثم اندلعت الثورة الإسلامية والتي يحكم رجالها إيران إلى الآن([1]).
كيف ساهم هذا في نشأة الحركات الأصولية الإسلامية العنيفة؟
من خلال  عدة عوامل أبرزها: العداء التاريخي الشهير بين الاتحاد السوفيتي  والولايات المتحدة، استغلت روسيا تراجع نفوذ أمريكا في إيران لتبسط نفوذها على أفغانستان، ثم أدركت أمريكا هذا النفوذ لاحقا فحاولت مقاومته عبر إعادة الروح لمفهوم الجهاد الإسلامي مع ضخ الأموال للتدريب والسلاح، ههنا إجابة السؤال الأول عن كيف نشأ تنظيم القاعدة.
 “عام 1983 تحدث الرئيس ريغان عن الحملة الأفغانية ووصفها بالمقدسة، وبدا له ولمدير السي آي إيه أنه من المناسب أن تدعم الولايات المتحدة المجاهدين ضد الشيوعين الملاحدة”([2]).
هل يعني هذا أن تنظيم القاعدة لا علاقة له بالدين؟
لا، بل نشأ التنظيم واستقطب المجاهدين بقوة وسطوة الدين، لكن الواقع أنه لم يكن دينيا بمعنى انتماء أعضائه ومؤسسيه إلى التراث الإسلامي، أو تلقيهم لتعليم ديني مؤسسي من الصغر، بل ولا حتى من خلال التزامهم بالشعائر الإسلامية بثبات ودوام كما ينبغي لأي مسلم عادي، وهذا جزء من خطاب أحد المجاهدين لأخيه أورده الصحفي يسري فودة في كتابه “طريق الأذى”([3]) ويظهر فيه غياب شعائر الإسلام الأساسية عن أفراد التنظيم:

أما أسامة بن لادن وهو مؤسس التنظيم فقد درس في جامعة الملك عبد العزيز في جدة علم الإدارة وتخرج ببكالوريوس في الاقتصاد ليتولي إدارة أعمال شركة بن لادن وتحمل بعض المسؤولية عن أخيه في إدارة الشركة التي ورثوها عن والدهم.
 وفيما تتحدث بعض التقارير أنه نال شهادة في الهندسة المدنية عام 1979م ، كانت حينئذ شخصيتان لهما أثر متميز في حياته هما محمد قطب وعبد الله عزام وذلك من خلال كتاباتهما التي درسها في مقرر الدراسات الإسلامية في الجامعة([4])، لا نلحظ تعليما دينيا تراثيا مؤسسيا وإن كان تلقى بعض التعليم الديني.

والرجل الثاني وهو أيمن الظواهري فقد كان طبيبا مصريا متخصصا في الجراحة العامة من أسرة مرموقة اجتماعيا وماديا، وعرف بنشاطه السياسي المبكر وتعرض للاعتقال أكثر من مرة، واشترك في أكثر من نشاط ضمن حركات الإسلام السياسي، ولم يتلق تعليما دينيا مؤسسيا([5]).
الملاحظة المشتركة هنا هي غياب التعليم الديني المؤسسي مما ترك فراغا لأفكار غير مستقرة علميا وغير ناضجة ومتطرفة لتكون هي المحركة لزعماء التنظيم، ثم لتختفي ملامح الدين الأساسية لاحقا بين أفراد التنظيم لتبقى النزعات العنيفة والإجرامية!

2- الهجمات الانتحارية:
ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن الهجمات الانتحارية هو الإسلام وفلسطين وحماس، أو الهجمات المختلفة على المدنيين في الدول الأوربية، لكن المفاجأة أن الهجمات الانتحارية ظهرت أول ما ظهرت على يد نمور التاميل في سيريلانكا([6]) وهي حركة انفصالية قومية لا علاقة لها بالدين، “وفي دراسة أجراها روبرت بيب (Robert Pape) بجامعة شيكاغو تتبعت كل العمليات الانتحارية في العالم، بين عامي 1980- 2004م وجد بيب أن هناك القليل من الروابط بين الإرهاب الانتحاري والأصول الإسلامية، أو أي دين، فمثلا من بين 38 هجمة انتحارية بلبنان في الثمانينيات، 8 من الانتحاريين مسلمين، و3 مسيحين، و27 منهم علمانيين واشتراكيين، وأن الهجمات الانتحارية هي في الأساس استجابة سياسية للاحتلال العسكري([7])“.

لكن ماذا عن الهجمات الانتحارية التي ينفذها المسلمون تحديدا؟ وهل يشجع  الإسلام هذا النوع من الأفعال ترغيبا في الشهادة؟
ههنا ينبغي علينا الحديث قليلا عن الشهادة:
{ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169]
مكانة الشهيد في الإسلام بلا شك مكانة مرتفعة، لأنه يتنازل عن الدنيا بنعيمها كله لأجل الله، لكن من هو الشهيد بالضبط؟
الشهيد هو من يموت في المعركة في سبيل الله، لكن ليس هذا فقط الشهيد، بل من انتهت حياته بابتلاء من الله أيضا شهيد؛ فمن قُتل دون ماله، والغريق، ومن مات وهو يعمّر مسجدا أو صاحب الهدم، وكذلك الحبلى، والمطعون، ومن قُتل دون أهله، ومن مات وهو يقول كلمة الحق عند سلطان جائر، ومن مات سجينا أو القابض على دينه وقت المحن، شهيد.
فهل في كل ما سبق حديث عن أن الشهيد من يقتل نفسه وسط الأبرياء من غير المقاتلين؟
لا، ولم يقل بهذا عالم من علماء الإسلام المعتد برأيهم وهذا فيما يتعلق بالعمليات الانتحارية وسط المدنيين.
ماذا عن العمليات الانتحارية التي ينفذها الفلسطينيون؟
الصورة التي نتحدث عنها هنا مختلفة تماما عن صورة الشخص الذي يفجر نفسه وسط مجموعة من الأطفال والسيدات والرجال المسالمين في حافلة أو ميدان عام، في فلسطين نتحدث عن جيش احتلال ووطن محتل ومقاومة مشروعة للعدو المحتل المستعمر المسلح بأحدث الأسلحة والعتاد مع عدم توفر الأسلحة ذاتها للمقاومة، وهذه المسألة التي يقيسها المعاصرون على ما يسميه الفقهاء في كتبهم بمسألة حمل الواحد على العدو الكثير، وأحياناً تسمى مسألة الانغماس في الصف، أو مسألة التغرير بالنفس في الجهاد، قال النووي: “فيه جواز الانغمار في الكفار والتعرض للشهادة وهو جائز بلا كراهة عند جماهير العلماء”([8])، فيجيزها بعض المعاصرين بضوابط صارمة لضمان كونها موجهة لجيش المحتلين المقاتلين المسلحين، ويرفضها بعضهم لعوامل أخرى.

لكن الجدل الأكبر حول العمليات الانتحارية ليس متعلقا بالحكم الفقهي بقدر ما يتعلق حول شعور المسلمين حيالها، هل لا يرون في العنف والقتل والتفجير مشكلة؟ وهل يساهم الإيمان بالإسلام في تغيير طبيعة الإدراك والشعور بحيث يصبح المسلم مستسيغا مستعذبا للموت؟
للإجابة عن هذه الأسئلة علينا طرح  أسئلة قبلية بسيطة وسنترك لك عزيزي القارئ القرار:
 ما الذي يجعل قتل ما قبيحا وآخر حسنا؟ ومعركة ما نبيلة وأخرى مستبشعة؟
ما الذي يجعل موت جندي أمريكي في العراق أو أفغانستان أمرا بطوليا فعله في سبيل وطنه وأهله ويُكرم ذويه إزاء تضحيته، ثم يجعل في الوقت نفسه موت شابا فلسطينيا فجر نفسه في نقطة تفتيش من نقاط الجيش الإسرائيلي عملا مروعا وإرهابيا؟ واحتفاء أهله بصنيعه فعلا عجيبا مخيفا؟
هل نعاني من معايير مزدوجة نقييم بها الأحداث مثلا؟!

3- داعش.. من قيادت الجيش العراقي وسوابق إجرامية جنائية إلى تنظيم الدولة الإسلامية:
في تقرير نشرته النيويورك تايمز عام 2014([9]) وجدت أن كثيرين من مسؤولي داعش كانوا في السابق من قيادات الجيش العراقي في عهد صدام حسين، أيام كانت العراق دولة علمانية قومية.
فهل كان التحول دينيا حقا؟ أم محاولة جديدة لاستعادة السلطة والنفوذ بأي ثمن ممكن؟
في تقرير آخر لصحيفة العرب وُجد أن معظم  الهجمات في فرنسا نفذها سجناء سابقون، ولم يعرف عن بعض من نفذوا الهجمات في أوروبا بشكل عام أي دراسة دينية منتظمة، أو يشتهروا بالتدين، بل إن غالبيتهم كانوا متهمين في قضايا جنائية قبل أن يتحول نشاطهم جذريا داخل السجون ويُستقطبوا من قبل الحركات الدينية المتطرفة ليتحولوا إلى متطرفين، ومن أشهر هؤلاء، أميدو كوليبالي، الذي نفذ الهجوم على صحيفة تشارلي إيبدو الفرنسية مطلع عام 2015([10]).

نظرة على الجهة الأخرى!
1- ارتكب أندرس بيرينغ بريفيك النرويجي المتطرف  -والذي وصف نفسه في رسائل لجريدة داجن النرويجية بأنه ليس مسيحيا ولم يكن مسيحيا قط، وأنه أوديني([11])– أربع عمليات قتل جماعي لـ 77 شخصا في عام 2011 في النرويج من أجل لفت الانتباه إلى بيانه الذي يركز على الإسلام ووصفه بأكبر تهديد لأوروبا([12]).
2- ألقى مكتب التحقيقات الفيدرالي في أكتوبر 2016  القبض على ميليشيا “الصليبيين” اليمينية في كانساس والتي خزنت الأسلحة النارية والذخائر والمتفجرات مع خطط للهجوم على المهاجرين المسلمين المحليين، معتقدين أن “المسلم الصالح الوحيد هو مسلم ميت”([13]).
3- دهست سيارة يقودها دارين أوزبورن -غير المعروف بأي نشاطات دينية، والمنفصل عن زوجته قبل تنفيذه للهجوم بستة أشهر تقريبا- عدداً من المصلين خلال مغادرتهم مسجد (فينزبري بارك) أحد أكبر مساجد بريطانيا، في جريمة من أسوأ جرائم الكراهية التي تعرضت لها الأقلية المسلمة في ذلك البلد، في يونيو 2017([14]).

4- هجم مسلحان على مسجدين بنيوزلاندا وقتلا 49 شخصا وأصابا 48 إنسانا في هجومين دمويين عنيف مسببين حالة من الذعر والفزع عالمية، في يونيو 2019([15]).

وللحديث بقية..

_________________________________

[1] https://bit.ly/2LcqLTf
[2] حقول الدم، كارن آرمسترونج الشبكة العربية، ص547.
[3] في طريق الأذى، يسري فودة، دار الشروق، ص81.
[4] http://bit.ly/34jRAeW
[5] https://bit.ly/3qWUOid
[6] حقول الدم، كارين آرمسترونج، الشبكة العربية، ص 542.
[7] المرجع السابق نفسه.
[8] في شرح مسلم باب ثبوت الجنة للشهيد 13 / 46
[9] https://nyti.ms/3mPd8Hp
[10] https://bit.ly/33QlBmh
[11] https://bit.ly/346Ely7
[12] https://nyti.ms/39BmiUe
[13] https://wapo.st/2I4TSqq
[14] https://bit.ly/2JCNIOJ
[15] https://bbc.in/39yOlDH

قم بتقييم المحتوي