الدكتور هاني حسين
طبيب وباحث في الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام.
أعاني – من واقع عملي الطبي – كثيرا من أسئلة يطرحها المرضى تتعلق بعلاجات شعبية قد ينسب بعضها إلى حضرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كثيرا ما يسألني المراجع عن رأيي في عشبة أو حجامة أو كيّ، منتظرا مني بلهفة إجابة بالموافقة حتى يعتبرها شهادة علمية يستند إليها فيما هو مقبل على فعله وتعاطيه.
أجيبهم دائما بأني لا أدري، فليس في الطب الغربي الذي درسته وأعمل به شيء يسعفني بالإجابة عن أسئلته، لا مع ولا ضد؛ لا تروقه الإجابة في أغلب الأحيان فيبدأ في الهمهمة باستياء: لكن يا دكتور هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهذا طب نبوي فالعلاج فيه والنفع منه مؤكد!
أجيبه عندها: أنا طبيب، لا أستطيع أن أعطي رأيًا طبيًا بلا توفر بحث علمي طبي معتبر وتوصيات باتباع علاج ما من عدمه، ولا أبحاث علمية طبية معتبرة محترمة في هذا السياق فيما أعلم، فلا أستطيع أن أفيدك كثيرًا في الحقيقة.
يتضايق المراجع إذ لم يجد ما يبغي، فيضيف أن كل ما يصدر عن رسول الله حق بلا ريب ولا يمكن أن يرشد إلى ما يضر أو ما لا يفيد كما في حالة شرب بول الإبل، إذ يستبعد الرجل الذي يشرب بول الإبل أن يكون ذلك هو سبب انتشار مرض الكرونا في بلدهم قائلًا إن ذلك مجرد خدعة، لأن هذا البول من عطاء الله وجعل فيه شفاء، فلا يكون مصدر مرض، خلافًا لما تقول منظمة الصحة العالمية!
أحس بالعجز ساعتها ولا أدري كيف أوصل المعلومة إلى هذا العقل الجالس أمامي، كيف أشرح له أن أمانة الطب تحتم ألا أتكلم بلا بحث علمي رصين وتوصيات تتبعه، كيف أوصل له أن غاية الأحاديث التي يستند إليها إن صحت أن تكون أحاديث آحاد تفيد الظن الذي لا يخوِّل طبيبًا أن يتبنى هذا النوع من العلاجات ليقامر به في أرواح البشر أو يسوقه وسطهم، نحتاج شيئًا أقوى من نقل واحد عن واحد في هذا السياق، وبالتالي يا سيدي لا أستطيع أن أتبنى وأسوق للعلاج بأي شيء مما تريد وتبحث عنه، غاية ما أستطيعه الوقوف من على البعد على الحياد وقول: ممكن جدًا أن يكون الأمر كما تقول، لكنا نحتاج إجراء تجارب ودراسات قبل القبول به وتسويقه ولا نستطيع اعتماده في الطب لورود نقل به إلا أن يكون نقلا قطعي الثبوت والدلالة.
وفي المقابل نجد أن قضايا العلم عموما والطب خصوصًا غير منتهية ولا متناهية، هي سيالة متغيرة على الدوام، كاذب من يزعم أن الطب وصل للقول الفصل والنهاية القصوى في قضية من قضاياه، فكم من مرض ظنوا أن لا علاج له وجدوا له علاجا، وكم من مادة قالوا بضررها اكتشفوا لها فوائد أو عدمَ ما ظنوه من ضرر، وكم من ممارسة نادوا بوقفها ظهر لهم فيما بعد فوائدها والعكس صحيح، وفي هذا السياق نجد أن الكثير من المفاهيم الشائعة اليوم عرضة للتغير في أية لحظة، وما دمنا لم نقم بالتجارب اللازمة فلا يمكننا الحكم بشيء على مثل التداوي ببول الإبل أو بغمس الذبابة في الإناء، بل ولا بعد إجراء التجارب والدراسات لا نستطيع إلا أن نقول: إن ما يتوفر لدينا الآن من معلومات يقول بضرر الذباب وبول الإبل مثلا، لكنا لا نستطيع الجزم القاطع النهائي بانعدام كل فائدة أو بغلبة الفائدة على الضرر مثلًا، فتبقى كل هذه الاحتمالات ممكنة. من هنا تظهر ضحالة من يهزأ ببعض ما ورد في المأثور من أساليب تداو لم ترق له ولطبعه ولعادات الناس في ذا الزمان فاتخذها سخريًا وربما قذف من وراءها بكل السُّنة إلى وادي الخرافة والعياذ بالله.
الفريقان مخطئان في اعتقادي، لكن من يهزأ فقط لعدم الإلف والاشمئزاز والتعالي الكاذب لا يستحق الوقوف عنده كثيرًا، كثير من العلاجات والأدوية الطبية الحديثة استخلصت من أشياء مستقذرة أو لا يستسيغها كثير من الناس، هؤلاء المساكين لا يعلمون مثلًا أن عقار Premarin المستخدم في علاج أعراض انقطاع الحيض عند النساء مستخلص من بول الأفراس (إناث الخيل)، وهو كبول الإبل سواء بسواء، بل بول الإبل طاهر عند إمامنا مالك رضي الله عنه، وبول الخيل نجس، فهو أفضل منه من هذه الحيثية؛ لا يعلمون أن عقار الأنسولين المستخدم في علاج السكري كان يستخرج من بانكرياس الخنازير ويضاف إليه منيّ (حيوانات منوية) نوع من الأسماك لتحسين عمله وإطالة أمده، لا يدرون أن البنسلين عفن في حقيقته، فما يمنع أن يكون في بول الإبل أو جناح الذبابة ما يفيد ولما نكشفه حتى الآن؟!